فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله إلا غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وأخرج أحمد وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير، فإذا مضت الأربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظامًا كذلك، فإذا أراد أن يسوي خلقه بعث إليه ملكًا فيقول: يا رب، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ أقصير أم طويل؟ أناقص أم زائد؟ قوته أجله، أصحيح أم سقيم؟ فيكتب ذلك كله».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم، عن ابن مسعود قال: «النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك من الأرحام بكفه فقال: يا رب، مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قيل غير مخلقة، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دمًا؛ وإن قيل مخلقة قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل وما الأثر وما الرزق؟ وبأي أرض تموت؟ فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: الله. فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله. فيقال له: اذهب إلى أمّ الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها وتأكل في رزقها وتطأ في أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكًا فقال: يا رب، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا؛ وإن قال مخلقة قال: يا رب، فما صفة هذه النطفة... أذكر أم أنثى؟ وما رزقها؟ وما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة. فينطلق فينسخها، فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى وكل بالرحم ملكًا قال: أي رب، نطفة أي رب، علقة أي رب، مضغة؟ فإذا قضى الله تعالى خلقها قال: أي رب، شقى أو سعيد؟ ذكر أو أنثى؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه».
وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في الاسماء والصفات، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: «إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة».
وفي لفظ: «إذا مر بالنطفة إثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها، ثم قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، رزقه؟ ويقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على أمره ولا ينقص».
وفي لفظ: «يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب، أشقي أو سعيد؟ فيُكْتَبان فيقول: أي رب، أذكر أو أنثى؟ فيكْتبان. فيكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص».
وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله: {مخلقة وغير مخلقة} قال: المخلقة، ما كان حيًّا {وغير مخلقة} ما كان من سقط.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: العلقة الدم، والمضغة اللحم والمخلقة، التي تم خلقها {وغير مخلقة} السقط.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {مخلقة وغير مخلقة} قال: تامة وغير تامة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال: {غير مخلقة} السقط.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي قال: إذا دخل في الخلق الرابع كانت نسمة مخلقة، وإذا قدم فيها قبل ذلك فهي غير مخلقة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد {مخلقة وغير مخلقة} قال: السقط مخلوق وغير مخلوق {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} قال: التمام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} قال: إقامته في الرحم حتى يخرج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} قال: هذا ما كان من ولد يولد تامًّا ليس بسقط.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لنبين لكم} قال: إنكم كنتم في بطون أمهاتكم كذلك.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {وترى الأرض هامدة} قال: لا نبات فيها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وترى الأرض هامدة} أي غبراء متهشمة {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} يقول: نفرق الغيث في سبحتها وربوها {وأنبتت من كل زوج بهيج} أي حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {زوج بهيج} قال: حسن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}.
قوله: {مِّنَ البعث}: يجوزُ أن يتعلَّق بـ: {ريب}، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ: ريب. وقرأ الحسن {البَعَث} بفتح العينِ. وهي لغة كالطَّرَدِ والجَلَب في الطَّرْد والجَلْب بالسكون. قال الشيخ: والكوفيون إسكانُ العينِ عندهم تخفيفٌ يقيسونه فيما وسطَه حرفُ حلقٍ كالنَّهْرِ والنَّهَر والشّعْرِ والشَّعَر، والبَصْريون لا يقيسونه، وما وَرَدَ من ذلك هو عندهم ممَا جاء فيه لغتان. قلت: فهذا يُوْهِمُ ظاهرُه أنَّ الأصلَ البَعَث بالفتح، وإنما خُفِّف، وليس الأمرُ كذلك، وإنما مَحَلُّ النزاع إذا سُمِع الحلقيُّ مفتوحَ العين: هل يجوزُ تسكينُه أم لا؟ لا أنه كلُّ ما جاء ساكنَ العينِ من الحَلْقِيِّها يُدَّعى أن أصلَها الفتحُ كما هو ظاهرُ عبارتِه.
قوله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} العامَّةُ على الجرِّ في {مُخَلَّقةٍ}، وفي {غير}، على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبِهما على الحالِ من النكرةِ، وهو قليلٌ جدًّا وإن كان سيبويه قاسه.
والعَلَقَةُ: القطعةُ من الدم الجامدة. وعن بعضهم وقد سُئِل عن أصعبِ الأشياءِ فقال: وَقْعَ الزَّلَقِ على العَلَق أي: على دمِ القتلى في المعركة. والمُضْغَةُ: القطعةُ من اللحمِ قَدْرَ ما تُمضَغُ نحو: الغُرفة والأُكْلة بمعنى: المغروفة والمأكولة. والمُخَلَّقَةُ: المَلْساء التي لا عَيْبَ فيها مِنْ قولهم: صخرةٌ خَلْقاءُ أي: مَلْساء. وخَلَقْتُ السِّواك: سَوَّيْتُه ومَلَسْتُه. وقيل: التضعيفُ في {مُخَلَّقَة} دلالةٌ على تكثيرِ الخَلْق لأنَّ الإنسان ذو أعضاءٍ متباينةٍ وخُلُقٍ متفاوتةٍ. قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية. وهو معنى حسنٌ.
قوله: {وَنُقِرُّ} العامَّةُ على رفع {ونُقِرُّ} لأنه مستأنفٌ، وليس علةً لما قبلَه فينتصبَ نَسَقًا على ما تقدَّمه. وقرأ يعقوب وعاصم في روايةٍ بنصبه. قال أبو البقاء: على أَنْ يكونَ معطوفًا في اللفظ، والمعنى مختلف؛ لأنَّ اللامَ في {لُنبِيِّنَ} للتعليل، واللامَ المقدرةَ من {نُقِرُّ} للصيرورة. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ قوله معطوفًا في اللفظ يَدْفعه قوله: واللامُ المقدرة فإنَّ تقديرَ اللام يقتضي النصبَ بإضمارِ أن بعدها لا بالعطفِ على ما قبله.
وعن عاصم أيضًا {ثم نُخْرِجَكم} بنصب الجيم. وقرأ ابن أبي عبلة {ليبيِّنَ ويَقِرُّ} بالياء من تحتُ فيهما، والفاعلُ هو اللهُ تعالى كما في قراءة النون. وقرأ يعقوب في رواية {ونَقُرُّ} بفتح النون وضم القاف ورفع الراء، مِنْ قَرَّ الماء يَقُرُّه أي: صَبَّه. وقرأ أبو زيد النحوي {ويَقِرَّ} بفتح الياءِ من تحتُ وكسرِ القاف ونصبِ الراء أي: وَيقِرَّ الله. وهو مِنْ قرَّ الماء إذا صبَّه. وفي الكامل لابن جبارة {لِنُبَيِّن ونُقِرَّ ثم نُخْرِجَكم} بالنصبِ فيهنَّ يعني وبالنون في الجميع المفضل.
بالياء فيهما مع النصب: أبو حاتم، وبالياء والرفع عمر بن شبة. انتهى.
وقال الزمخشري: والقراءة بالرفع إخبارٌ بأنه تعالى يُقِرُّ في الأرحامِ ما يشاءُ أَنْ يُقِرَّه. ثم قال: والقراءة بالنصب تعليلٌ، معطوفٌ على تعليلٍ. معناه: خلقناكم مُدَرَّجين، هذا التدريجُ لغرضين، أحدهما: أن نبيِّنَ قدرتنا. والثاني: أَنْ نُقِرَّ في الأرحام مَنْ نُقِرُّ، ثم يُوْلَدوا ويَنْشَؤوا ويَبْلُغوا حَدَّ التكليفِ فأُكَلِّفَهم. ويَعْضُد هذه القراءة قوله: {ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ}.
قلت: تسميةُ مثلِ هذه الأفعالِ المسندة إلى الله تعالى غَرَضًا لا يجوز.
وقرأ ابن وثاب {نشاء} بكسر النون، وهو كسرُ حرفِ المضارعة، وقد تقدَّم ذلك في أولِ هذا الموضوعِ.
قوله: {طِفْلًا} حالٌ مِنْ مفعول {نُخْرِجكم}، وإنما وُحِّد لأنَّه في الأصل مصدرٌ كالرِّضا والعَدْل، فيَلْزَمُ الإِفرادُ والتذكيرُ، قاله المبرد: إمَا لأنه مرادٌ به الجنسُ، وإمَا لأن المعنى: يُخْرِجُ كلَّ واحدٍ منكم نحو: القوم يُشْبعهم رغيفٌ أي: كلُّ واحدٍ منهم. وقد يطابِقُ به ما يُراد به، فيقال: طفلان وأطفال. وفي الحديث: «سئل عن أطفال المشركين» والطِّفْلُ يُطْلَقُ على الولدِ مِنْ حين الانفصالِ إلى البلوغ. وأمَا الطَفْل بالفتح فهو الناعم، والمرأة طَفْلة قال:
ولقد لَهَوْتُ بِطَفْلةٍ مَيَّالَةٍ ** بَلْهاءَ تُطْلِعُني على أَسْرارِها

أمَا الطَّفَل بفتح الطاءِ والفاءِ فوقتُ ما بعد العصر، مِنْ قولهم: طَفَلَت الشمسُ إذا مالَتْ للغُروب. وأطفلتِ المرأةُ أي: صارت ذاتَ طِفْلٍ.
وقرأت فِرْقَةٌ {يَتَوَفَّى} بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى أي: يَتَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، كذا قدَّره الزمخشري. والثاني: أن الفاعلَ ضميرُ من أي: يتوفى أجلَه. وهذا القراءة كالتي في البقرة {والذين يَتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} [الآية: 234] أي: مدتهم.
ورُوي عن أبي عمروٍ ونافع أنهما قرأ {العُمْر} بسكون العينِ وهو تخفيفٌ قياسيُّ نحوة عُنْق في عُنُق.
قوله: {لِكَيْلاَ} متعلق بـ {يُرَدُّ}. وتقدَّم نظيره في النحل.
و{هامدةً} نصب على الحال لأن الرؤيةَ بصريةٌ. والهُمُود: السكونُ والخُشُوع. وهَمَدَت الأرض: يَبِست ودَرَسَتْ. وهَمَدَ الثوبُ: بَلِي. قال الأعشى:
قالتْ قُتَيْلَةُ ما لجِسْمِكَ شاحبًا ** وأرى ثيابَكَ بالِياتٍ هُمَّدا

والاهتزازُ: التحرُّكُ، وتُجُوِّز به هنا عن إنباتِ الأرض نباتَها بالماء. والجمهورُ على {رَبَتْ} أي: زادَت، مِنْ رَبا يَرْبُو. وقرأ أبو جعفر وعبد الله ابن جعفر وأبو عمرٍو في رواية {وَرَبَأَت} بالهمزِ أي ارتفَعَتْ. يقال: رَبَأَ بنفسه عن كذا أي: ارتفعَ عنه. ومنه الرَّبِيئَةُ وهو مَنْ يَطْلُعُ على موضعٍ عالٍ لينظر للقوم ما يأتيهم. ويقال له {رَبِيْءٌ} أيضًا قال الشاعر:
بَعَثْنا رَبِيْئًا قبلَ ذلك مُخْمِلًا ** كذئب الغضى يمشي الضراء ويَتَّقي

قوله: {مِن كُلِّ زَوْجٍ} فيه وجهان، أحدهما: أنه صفةٌ للمفعولِ المحذوفِ تقديره: وأنبتَتْ ألوانًا أو أزواجًا من كلِّ زَوْج. والثاني: أنَّ مِنْ زائدة أي: أنبتَتْ كلَّ زوج. وهذا ماشٍ عند الكوفيين والأخفش.
والبهيجُ: الحَسَن الذي يُسِرُّ ناظرَه. وقد بَهُجَ بالضم بَهاجَةً وبَهْجَة أي: حَسُن. وأبهجني كذا أي: سرَّني بحُسْنه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نشاء إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } [الحج: 5]، وفي سورة المؤمن: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [غافر: 67]، ففي الأولى: {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نشاء إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولم يقع التعريف بهذه الأحوال من الانتقال عن العلقة، وهو الدم المتعقد المتغير عن النظفة، وهو هنا المني المنفصل يصير هنا دمًا جامدًا، ثم يصير مضغة، والمضغة قطعة لحم قدر ما يمضغ مثله، ثم قد يتم سبحانه خلق تلك النطفة وتخطيطها وتصويرها على ما يشاء من هيئة وصورة ولونية كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6]، وقد لا يتم، فينقص من خلقها ما يشاء من الأعضاء والحواشي، وإلى هاتين الحالتين الإشارة، والله أعلم، بقوله: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}، أي تامة الخلق وغير تامة، فأشار تضعيف لفظ مخلقة إلى هذا فقيل مخلقة وغير مخلقة، أما السقط المولود لغير التمام فحصل من مفهوم قوله تعالى بعد: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نشاء إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج:5]، إذ مفهوم هذه- والله أعلم- أن بعض ذلك لا يقره تعالى وهو السقط، هذا- والله أعلم- إلى ما قدمنا، قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي الأجل الذي يشاء تعالى إبراز الموجود فيه وولادته، فهذه الانتقالات والأحوال قد اختصت بها هذه الآية، ولم ترد في آية سورة المؤمن مع البادي في اتحاد المقصود في الموضوعين، فلسائل أن يسأل عن وجه ما ورد في الآيتين؟
والجواب، والله أعلم: أن آية سورة الحج مقصود فيها إقامة البرهان على البعث الآخراوي وبسط الدلالات على كيفية وإرغام منكرية، ألا ترى أن هذه الأحوال والانتقالات على ما وضح من التدريج لا تكون إلا من فاعل قادر مختار عليم حكيم، وقد فسر مقصود هذه الآية وزاده إيضاحًا قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ } [يس: 78]، وقال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } [الأنبياء: 104]، ويزيد هذا المقصود أيضًا بيانًا تعقيب آية الحج بقوله: {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5]، فهذا إحياء بعد الموت، ثم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6]، فتأمل هذا التعقيب وافتتاح الآية بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [الحج: 5]، واعتبر ما انطوت عليه هذه الآي يلح لك ما تقدم من مقصودها.
أما آية سورة المؤمن فلم تتجرد لهذا الغرض وإن تضمنت ذلك بالإيجاز، وإنما بناؤها على تذكير الخلق وتنبيههم على وحدانيته سبحانه وانفراده بالخلق والأمر وتنزيهه عن الشركاء والأنداد ونفي ما عبد من دونه تعالى، وتأمل ما تقدم من لدن قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57] الآية المذكورة وما بعدها يبن لك ما قصد بهذه الآية، وإنما اختصت عن آية سورة الحج بما ذكرنا، واختصت تلك بما تقدم، فلذلك زيد فيها من التفصيل ما تقدم، ولم يكن العكس ليناسب، والله أعلم بما أراد. اهـ.